اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

الكاتبة منال خليل ... تكتب - بين الشرف و الازدواجية حقيقتنا تحت الاختبار

 بين الشرف و الازدواجية حقيقتنا تحت الاختبار 






بين الشرف و الازدواجية حقيقتنا تحت الاختبار 

بقلم الكاتبة : منال خليل


  في عمق التجربة الإنسانية، نجد أنفسنا غالباً غارقين في بحر من المتناقضات وغالباً حين نوجه مرآة النقد إلى الآخرين متجاهلين نفس الأخطاء الكامنة في دواخلنا.


كأننا نختبئ خلف قناع النقاء، وننسى أن الإنسان بطبيعته مزيج من النور والظلام فنمضي نتظاهر بالشرف والكمال، ولكن حين تنكشف نوايانا الحقيقية ونقف عراة أمام أنفسنا، تبدأ تلك المرايا المتعددة التي ننظر بها للآخرين بتكسير أقنعتنا، كاشفةً عن هويتنا الحقيقية.


ومن أعمق ما قيل في هذا السياق 

"طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" هنا تتجلى الفلسفة العميقة في الدعوة إلى محاسبة الذات أولاً، إلى النظر في دواخلنا بعين الناقد قبل أن نُصدر أحكاماً على الآخرين.


 فالكمال ليس صفة البشر، ومن يعانق هذه الحقيقة بصدق يكتشف أن الرحلة ليست في تصحيح العالم من حولنا، بقدر ما هو محاولة بناء  الفضيلة داخل أرواحنا

 يعكس النقاء بصدق لا يحتمل الرياء 

 حتى نتوازن .


فكلما حاولنا الهروب من مواجهة عيوبنا ونواقصنا إلى تسليط الضوء على عيوب الآخرين، فإننا ندخل في حالة أشبه بمتاهة  والاختبار الحقيقي للإنسانية لا يكون في تحقيق الكمال، بل في مواجهة النقاط السوداء داخل نفوسنا بشجاعة والقبول بأننا ناقصون ونسعى للتحسن لا لأننا ملائكة، بل لأننا بشر نحاول اجتياز متاهة التناقضات بأمانة وشرف.



- ففي حياة كل منا، نقف دائماً بين لحظتين : لحظة وضوح  وإحساس بالقدرة على التغيير للأفضل، ولحظة سقوط 

 حين تتلاعب بنا الأهواء وتتنازعنا 

الرغبات .


نخطئ ونعود لنتدارك، وربما نؤذي أنفسنا أكثر مما نؤذي الآخرين، لكنها طبيعة البشر.


 تلك الكينونة المعقدة التي تجمع بين النقص والسعي للكمال المشوب بالغرور وحب الذات .


  نحن لسنا بملائكة، لا نحلق بأجنحة الطهر

 ولا نملك الصفاء المطلق، وهذا ما يعطينا مجالاً للنمو ومحاولة التغيير للافضل.


وعلينا ان نعترف بأن المثالية ليست هدفاً واقعياً بالحياة، لأنها تتعارض مع طبيعتنا البشرية، وتلك الأخطاء هي ما يجعلنا نتعلم وننضج، ولكن يظل الفرق بين البشر وبين الشياطين هو الضمير  وأن قلوبنا تدرك الصواب وتملك خيار التوبة .


 قد نعود لارتكاب ذات الأخطاء ، لكننا غالبا ما نتوب عنها وهكذا حتى نهدء ونطمئن لوجود نقطة تحول ما، بحياتنا نسعى من خلالها للارتقاء بأنفسنا.


 ليصبح الهدف ألا نصبح ضحايا لأنفسنا

 بل بشر يدركون خطاهم، ويعودون لينظروا إلى الأفق بنظرة مليئة بالأمل والنقاء، حيث نسير بعزم ووعي، فنحن لسنا بملائكة، لكننا حتماً نستطيع أن نكون بشراً أفضل.


 على صعيد آخر ، في خضم الحياة وتحت ثقل الاختبارات الصعبة، كثير ما تتجلى

 " ازدواجية المعايير "

 في أكثر صورها حدة، حيث يظهر التناقض بين ما ندعيه من قيم وننظر به على من حولنا وما نطبقه فعلاً على ذواتنا.


حيث يتجلى تعبير أو مقوله : 

        "الكل شريف حتى تأتي العاهرة" 

وهو تعبير صادم لكنه يختصر تناقضاتنا في التعامل مع الخطأ

 فنجد أنفسنا غالباً أسرى للمعايير المزدوجة، نحاكم الآخرين بحزم، ولكن عندما يتعلق الأمر بأنفسنا، نجد التبريرات ونلتمس الأعذار.


 هذا التناقض يكشف عن حقيقة الطبيعة البشرية، المائلة إلى الغرق في بحر من المتناقضات، بين ما يُقال وما يُفعل.


وحتى تكتمل الصورة، أعتقد أن الأوقات الأصعب هي التي تكشف معدن الإنسان الحقيقي .


 حين تقف بمفردك، محاصراً بهموم احتياجاتك الملحة، أمام شهواتك وعثراتك الكبرى .


 هنا، حيث يُختبر صمودك أمام أصعب التحديات، وتُواجه بأشد لحظات العزلة حين يتخلى عنك الجميع ويغدو الأفق قاتماً.. والوحده ليست خياراً في تلك اللحظات تتجلى معاني الشرف الحقيقية وتظهر المبادئ في صورتها الصافية، بعيداً عن الأقنعة الاجتماعية والشعارات الزائفة.


فنحن بشر، نعم، ولسنا ملائكة، لكن مقياس إنسانيتنا يكمن في مدى قدرتنا على الحفاظ على مبادئنا في أقسى الظروف، أن نبقى صادقين مع أنفسنا، حتى عندما تُوضع رغباتنا واحتياجاتنا أمامنا كاختبارات صعبة  فنختار أن نكون أفضل لا لأننا كاملون، بل لأننا نحاول دوماً تجنب السقوط في هاوية النفاق والخداع.


عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : 

"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا"  تلك هي العدالة الحقيقية التي ترتبط بمراجعة النفس وتحقيق التوازن بين ما ندعيه من قيم وبين ما نطبقه في الواقع على انفسنا.


 أنا أؤمن تماما بأن : 

"الإنسان لا يُختبَر حقاً إلا حين يجد نفسه في مواجهة عثراته الكبرى، وحين تُغلق في وجهه كل الأبواب، لا لأنّ في ذلك ضعفاً، بل لأنّ في التجربة عين القوة التي لا يعرفها إلا من يمر بها ".

google-playkhamsatmostaqltradent