الإعجاز العلمي في قصة النبي يونس عليه السلام
كتب - د. عبد الرحيم ريحان
دراسة جديدة للمهندس محمد عبد الرازق جويلي الباحث في علوم التفسير التاريخي للقرآن الكريم عن معجزة نبي الله يونس عليه السلام الذي بعثه الله عز وجل إلى قومه في نينوى بالعراق الذين كانوا يعبدون الأصنام فنهاهم عن عبادتها ودعاهم إلى توحيد الله عزّ وجل وبذل لهم النُّصح في تبليغ رسالة ربّه لكنهم قابلوه بالإعراض والجفاء والصدّ.
ويروى لنا المهندس محمد عبد الرازق جويلي بأنه لما أحسّ يونس منهم الكفر بعد ذلك حذّرهم من سخط الله وغضبه وهدّدهم بحلول عذاب الله عليهم بعد ثلاثة أيام إن لم يؤمنوا، ثمّ خرج من بين أظهرهم غاضبًا بعدما ظنّ أنّه أدّى ما عليه من تبليغ الرسالة فخرج من أرض قومه متّجهًا نحو البحر.
ويبدو من النصوص الواردة في قصة يونس أنّ الله لم يأمره بهذا الخروج حيث وصفه الله بالآبِق، والآبق هو العبد الهارب قال تعالى (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) الصافات 140، الفلك المشحون هو السفينة المملوءة بالناس والمؤن وكان على سيدنا يونس أن يسلّم لأمر الله فليس لنبيٍ أن يترك بلده وقريته ويخرج أو يهاجر دون إذنٍ من الله، لذلك نهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكون كصاحب الحوت في قلّة صبره قال تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ) القلم 48.
إيمان القوم
ولمّا رأى قومه أمارات العذاب وأيقنوا نزوله بهم تابوا إلى الله وندموا على تكذيبهم لرسولهم وفرّقوا بين كلّ حيوانٍ وولده ثمّ خرجوا يدعون الله ويتوسّلون إليه ويتضرّعون له فكشف الله بحوله ورحمته عنهم العذاب الذي كان قد أُحيط بهم، وقد أخبرنا الله أنّ قوم يونس نفعهم إيمانهم بعد نزول العذاب عليهم ورفعه عنهم بعد إحاطته بهم قال تعالى (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ) يونس 98.
ويتابع المهندس محمد عبد الرازق جويلي بأنه لمّا خرج يونس عليه السلام غاضبًا بسب قومه بسبب رفضهم لدعوته،سار حتى ركب سفينةً في البحر فاضطربت براكبيها حتى كادوا يغرقون، وكان لا بدّ من إلقاء راكبٍ من ركّابها لينجو الآخرون وما كان من حلٍّ إلا أن يقترع ركّاب السفينة فمن خرجت قرعته أُلقي في البحر فلما اقترعوا وقعت القرعة على يونس عليه السلام، ولقد كانوا يعرفونه فأبوا أن يلقوه في الماء فأعادوا القرعة ثانيةً وثالثةً فخرج سهمه أيضًا، عندها لم يجدوا بُدّاً من إلقائه في البحر أو ألقى النبي يونس بنفسه وبعث الله حوتًا فلتقمه وطاف به البحار كلها حيث قطع فيها حوالي 6 آلاف كم حتى وصل به الي جزيرة جرينلاند بأمريكا وأوحى الله إليه ألا يُهلك يونس عليه السلام؛ فلا يأكل لحمه ولا ينهش عظمه.
ظلمات ثلاث
وأحاطت به ظلمات ثلاث؛ ظلمة البحر وظلمة الحوت وظلمة الليل ولبث في بطنه مدّة ثلاثة أيام وثلاث ليالي، وقد سمع نبي الله يونس تسبيح الحصى ودوابّ البحر وهو في بطن الحوت فأدرك ما استحقّ عليه اللوم فأقبل على الله وأثنى عليه فذكره وسبّحه وتضرّع إليه بأن يفرّج كربه وألهمه الله الكلمات التي تبدّد الظلمات وتُزيل الكربات فنادى ربّه مسبّحًا ونادمًاعلى ما كان منه قال تعالى (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) الأنبياء 187 و 188.
شجرة اليقطين
و يشير المهندس محمد عبد الرازق جويلي إلى أن المولى عز وجل أنبت عليه شجرةً من يقطينٍ (القرع العسلي) يستظل بها ويأكل منها، وذكر العلماء في حكمة إنبات اليقطين عليه أنّها شجرةٌ فيها نفعٌ كثير ومقوّية للبدن ويؤكل ثمره بكل أشكاله نيّئًا ومطبوخًا وبقشره وببزره أيضًا، ولمّا تعافى يونس عليه السلام أمره الله بالعودة إلى قومه الذين غادرهم فوجدهم مؤمنين بالله منتظرين عودته ليتّبعوه فمكث معهم يُعلّمهم ويرشدهم.
زمن نبى الله يونس
وعن الزمن الذى عاش فيه نبى الله يونس أشار المهندس محمد جويلى بأنه جاء في عصر ما بين النبي موسى عليه السلام ونبى الله عيسى عليه السلام، فقد روي وقد كان من الأنبياء قبل عيسى يونس بن متى عليهما الصلاة والسلام كان من أهل قرية من قرى الموصل يقال لها نينوى وقد قيل إنه من بني إسرائيل وإنه من سبط بنيامين وقيل إن بعثته بعد يوثم بن عزياهو أحد ملوك بني إسرائيل المقدم الذكر وكانت وفاة يوثم في سنة خمس عشرة وثمانمائة لوفاة موسى عليه السلام، وروي أن موسى توفي في حدود سنة 1380 قبل الميلاد
وفي أبحاثه توصل المهندس محمد جويلى إلى أن النبي موسى غليه السلام توفي بعد هذا التاريخ بنحو 200 سنة أي في القرن ال11 قبل الميلاد وهذا يعني أن الفترة التقريبية لعصر النبي يونس هي سنة 565 قبل ميلاد السيد المسيح، ولعله عاصر الملك البابلي نبوخذ نصر الذي حكم من "605-562ق. م"، وقد عاصره الملك زان بن ساطرون، فقد رُوي أن يونس بن متى بعث إليه فآمن به زان بن ساطرون بعد الذي قصه القرآن من شأنه معهم ثم إن بخت نصر لَما غلب على بابل زحف إليه ودعاه إلى دين الصابئة وشرط له أن يبقيه في ملكه فأجاب ولم يزل على الجزيرة حتى زحف إليه جيوش الفرس مع أرتاق، فضمن القيام بالمجوسية على أن يبقوه في ملكه، وكتب بذلك أرتاق إلى بهمن فيضمن له، فأجابه بأن هذا رجل متلاعب بالأديان فاقتُله فقتله أرتاق وانقرض ملكه بعد ألف وثلاثمائة سنة فيما قال البيهقي: وفي أربعين ملكًا منهم .
ولعل فحص آثار النبي يونس بنينوى بالكربون المشع تخبرنا عن زمنه بدقة كبيرة ولقد قيل أن الحوت الذي ابتلع النبي يونس ثم لفظه ما زال حيًا بعد نحو 3 الاف سنة والله اعلم .
مدينة نينوى
وينوه المهندس محمد جويلى إلى أهمية موقع نينوى الحالي الذى كشفت عنه الحفائر ويتكون من خمس بوابات وأجزاء من الجدران من أربع جهات وتلين كبيرين: تل كويونجك وتل النبي يونس وضريح يقال أنه للنبي يونس، وكان موقعًا شهيرًا وقدسه اليهود والمسيحيون وبعض المسلمين. ودمره داعش في 24 يوليو 2014 وشمل المسجد الذي يحتوي على الضريح، وكان جزءًا من حملة لتدمير المقدسات الدينية التي اعتبرتها وثنية.،وبعد استعادة الموصل من داعش في يناير 2017 تم اكتشاف قصر آشوري قديم بناه أسرحدون يعود تاريخه إلى حوالي النصف الأول من القرن السابع قبل الميلاد تحت المسجد المدمر، ونهب داعش القصر ومحتوياته ولكن ظلت بعض القطع الأثرية التي كان من الصعب نقلها في مكانها.