اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

طَرِيقُ السَّعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي الْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ

 طَرِيقُ السَّعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي الْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ




بقلم : عُمَرُ مُحَمَّدٌ سَعِيدٌ إِبْرَاهِيم

وَاعِظٌ عَامٌّ بِالأَزْهَرِ الشَّرِيفِ


الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ السَّعَادَةَ الْحَقِيقِيَّةَ فِي طَاعَتِهِ، وَأَوْدَعَ الطُّمَأْنِينَةَ فِي ذِكْرِهِ، وَأَرْشَدَ عِبَادَهُ إِلَى طَرِيقِ النُّورِ وَالْهُدَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، خَيْرِ خَلْقِ اللَّهِ الَّذِي دَلَّنَا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

وبعد .


ففِي عَالَمٍ مَلِيءٍ بِالضُّغُوطِ وَالأَحْلَامِ الْمُتَنَاثِرَةِ، يَبْحَثُ الإِنْسَانُ عَنِ السَّعَادَةِ كَأَنَّهَا جَوْهَرَةٌ نَادِرَةٌ. بَعْضُهُمْ يَظُنُّهَا فِي الْمَالِ وَآخَرُونَ فِي الشُّهْرَةِ، وَغَيْرُهُمْ فِي الْمَنَاصِبِ

 وَلَكِنَّ السَّعَادَةَ الْحَقِيقِيَّةَ أَعْمَقُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ. إِنَّهَا فِي الْقَلْبِ الَّذِي يَطْمَئِنُّ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالنَّفْسِ الَّتِي تَرْضَى بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ.


قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" [الرَّعْدُ: 28]. فَالسَّعَادَةُ لَيْسَتْ فِي الظَّاهِرِ، بَلْ فِي بَاطِنِ النَّفْسِ، حَيْثُ تَنْبُعُ مِنَ الإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.

إِنَّنَا فِي هَذَا الْمَقَالِ نُسَلِّطُ الضَّوءَ عَلَى مَفَاتِيحِ السَّعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، الَّتِي لَا تَنْفَعِلُ بِالظُّرُوفِ الْمُتَقَلِّبَةِ، وَلَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. سَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ تَنْبُثُّ فِي النُّفُوسِ حِينَ تَعْلَمُ سِرَّ الْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ.


مَفَاتِيحُ السَّعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ


أولا. الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ

الإِيمَانُ هُوَ أَعْظَمُ أَبْوَابِ السَّعَادَةِ. الْمُؤْمِنُ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ بِيَدِهِ الأَمْرُ كُلُّهُ، فَلا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَلا يَرْجُو إِلَّا فَضْلَهُ. قَالَ تَعَالَى: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" [الطَّلاَقِ: 2-3].


وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: "عَلِمْتُ أَنَّ رِزْقِي لَنْ يَأْخُذَهُ غَيْرِي فَاطْمَأَنَّ قَلْبِي.


ثانياً. الْعِبَادَةُ غِذَاءٌ لِلرُّوحِ

الصَّلَاةُ وَالذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ هِيَ أَبْوَابُ الرَّاحَةِ النَّفْسِيَّةِ. النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلَالُ" [رَوَاهُ أَحْمَدُ]. وَالسُّجُودُ هُوَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ فِيهِ يَجِدُ الْعَبْدُ مَلَاذَهُ وَرَاحَتَهُ.


ثالثاً: الْقُرْبُ مِنَ اللَّهِ بِذِكْرِهِ وَطَاعَتِهِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [سُورَةُ الرَّعْدِ: 28]. وَهَذِهِ الْآيَةُ تُجَسِّدُ حَقِيقَةَ السَّعَادَةِ، فَإِنَّ الْقُلُوبَ لَا تَجِدُ السَّكِينَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ إِلَّا فِي ظِلِّ ذِكْرِ اللَّهِ وَالاقْتِرَابِ مِنْهُ.


وَقَالَ أَحَدُ السَّلَفِ الصَّالِحِ: "مَسَاكِينُ أَهْلِ الدُّنْيَا خَرَجُوا مِنْهَا وَمَا ذَاقُوا أَطْيَبَ مَا فِيهَا" فَقِيلَ: وَمَا أَطْيَبُ مَا فِيهَا؟ قَالَ: "مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَمَحَبَّتُهُ".


رابعاً: الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ

الرِّضَا قِمَّةُ السَّعَادَةِ النَّفْسِيَّةِ، فَإِذَا عَلِمَ الْإِنْسَانُ أَنَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ إِنَّمَا هُوَ بِقَدَرِ اللَّهِ، عَاشَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له.( رواه مسلم)


وَقَالَ أَحَدُ السَّلَفِ: "الرِّضَا جَنَّةُ الدُّنْيَا، مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَنْ يَدْخُلَ جَنَّةَ الْآخِرَةِ".



ذُكِرَ أَنَّ أَبَا الدَّحْدَاحِ، الصَحَابِيٌّ الجَلِيلٌ، لَمَّا عَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَنَّةَ مُقَابِلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِبُسْتَانِهِ، مقابل نخلة في الجنة فَتَصَدَّقَ بِأَحَبِّ مَا يَمْلِكُ، وَكَانَتِ الْجَنَّةُ مَصِيرَهُ.


خامساً :الإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ

لَا سَعَادَةَ تُعَادِلُ سَعَادَةَ الْعَطَاءِ. النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ" [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ]. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ كَانَ يَقُولُ: "لَذَّةُ الْعَطَاءِ تَفُوقُ لَذَّةَ الأَخْذِ."


وهذا سلفنا الصالح يحدثنا  عَنِ السَّعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ


١- فيقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (23 هـ)


"لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا مِنْ ذَهَبٍ يَفْنَى، وَالْآخِرَةُ مِنْ خَزَفٍ يَبْقَى، لَاخْتَرْتُ الْخَزَفَ الْبَاقِيَ عَلَى الذَّهَبِ الْفَانِي."


٢ - ويقول الحسن البصري رحمه الله 

(110 هـ)


"إِنَّ أَهْلَ التَّقْوَى أَسْعَدُ النَّاسِ بِالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَرَضِيُوا عَنِ اللَّهِ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَمَصِيرُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ."


٣- ويقول إبراهيم بن أدهم رحمه الله

 (161 هـ)


"لَوْ عَلِمَ أَهْلُ الدُّنْيَا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، لَتَمَنَّوُا أَنْ يَكُونُوا مِثْلَنَا."


٤ -ويقول سفيان الثوري رحمه الله (161 هـ)


"إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ قَدْرَكَ عِنْدَ اللَّهِ، فَانْظُرْ قَدْرَ اللَّهِ عِنْدَكَ."


٥- وهذا الفضيل بن عياض رحمه الله يقول (187 هـ)


"مَنْ عَرَفَ اللَّهَ أَحَبَّهُ، وَمَنْ أَحَبَّهُ أَطَاعَهُ، وَمَنْ أَطَاعَهُ أَسْعَدَهُ.


٦ -ويقول  عبد الله بن المبارك رحمه الله (181 هـ)


"كَيْفَ أَتَمَتَّعُ بِدُنْيَا أَعْلَمُ أَنَّهَا زَائِلَةٌ، وَقَدْ وَضَعْتُ قَدَمِي فِي قَبْرِي؟"


٧ -ويقول مالك بن دينار رحمه الله (179 هـ)


"مَسَاكِينُ أَهْلِ الدُّنْيَا! خَرَجُوا مِنْهَا وَمَا ذَاقُوا أَطْيَبَ مَا فِيهَا."

فقيل: "وَمَا أَطْيَبُ مَا فِيهَا؟" قَالَ: "مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَذِكْرُهُ."


٨ -ابن القيم الجوزية رحمه الله يقول

  (751 هـ) 


"فِي الدُّنْيَا جَنَّةٌ، مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ الْآخِرَةِ."


هذه هى أقوال سلفنا الصالح، والتى ، تعكس نظرة السلف الصالح إلى السعادة الحقيقية باعتبارها نابعة من الإيمان، الزهد، الطاعة، والرضا بالله. فهي ليست في المال أو الجاه، بل في السلام النفسي والقرب من الله.


وَفى نِهٓايةِ مقالنا يتبيّنُ لنٓا.

أَنّ السَّعَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ لَيْسَتْ فِي الْمَالِ، وَلَا فِي الْمَنَاصِبِ، وَلَا فِي الدُّنْيَا الزَّائِلَةِ. إِنَّهَا فِي قَلْبٍ مُطْمَئِنٍّ بِذِكْرِ اللَّهِ، وَنَفْسٍ رَاضِيَةٍ بِقَضَائِهِ، وَعَمَلٍ خَالِصٍ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ.

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ السُّعَدَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا لَذَّةَ الْقُرْبِ مِنْهُ وَحُبَّ طَاعَتِهِ، وَدَوَامَ ذِكْرِهِ.

google-playkhamsatmostaqltradent