من قلب روسيا العريقة : رحلة عبر التاريخ والثقافة مع ميرنا المصرية الروسية
كتبت - دكتورة ميرنا القاضي
في عمق البراري البيضاء الممتدة بين سيبيريا والكرملين، تختبئ
روسيا كاواحدة من أكثر البلدان التي تتميز بتراث غني وتاريخ حافل بالأحداث، حيث تشكلت هويتها الفريدة عبر قرون من التطورات الاجتماعية والسياسية والثقافية. هذه الأرض المترامية الأطراف التي تمتد من شرق أوروبا إلى شمال آسيا تختزن في طياتها حكايات عن إمبراطوريات عظيمة وشعوب مبدعة واليوم، نُبحر مع ميرنا، المصرية الروسية المرشدة السياحية ذات الشغف الفريد التي تنقلنا عبر الزمن لتروي قصصًا عن عادات الروس القديمة وحداثتهم، بأسلوب ينبض بالحياة والدفء.
نشأة روسيا : من القبائل إلى الإمبراطورية العظمى
1. كييف روس : البداية التاريخية
تأسست روسيا الأولى في القرن التاسع الميلادي، عندما وحّد الفارانجيون (وهم جماعات من الفايكنج) القبائل السلافية الشرقية. استقر هؤلاء المحاربون في "نوفغورود" ثم انتقلوا إلى "كييف" ليؤسسوا دولة "كييف روس" التي أصبحت أول كيان سياسي منظم للسلاف الشرقيين.
النظام السياسي والاجتماعي
كانت "كييف روس" تعتمد على نظام حكم مركزي مستمد من الولاء للزعماء المحليين. تميزت هذه الفترة بعلاقات تجارية واسعة النطاق مع الإمبراطورية البيزنطية، مما أدى إلى تبادل ثقافي وديني كبير.
2. دخول المسيحية الأرثوذكسية
(القرن العاشر)
في عام 988، قام الأمير فلاديمير باعتناق المسيحية الأرثوذكسية وتعميد الشعب.
أدى هذا الحدث إلى تحول ثقافي هائل حيث أصبحت الكنيسة الأرثوذكسية مركزًا للحياة الروحية والاجتماعية، وأُنشئت الكاتدرائيات والكنائس التي لا تزال قائمة حتى اليوم.
3. صعود موسكو كقوة عظمى
(القرن الرابع عشر)
بحلول القرن الرابع عشر، أصبحت موسكو قلب روسيا السياسي والديني، خصوصًا بعد هزيمة الغزو المغولي الذي ترك أثرًا كبيرًا على تطور المجتمع الروسي.
ومع إعلان إيفان الرابع (إيفان الرهيب) نفسه أول قيصر لروسيا في عام 1547 بدأت روسيا تتحول إلى إمبراطورية عظيمة.
4. التوسع الإمبراطوري
(القرن السابع عشر إلى التاسع عشر)
شهدت روسيا عصرًا ذهبيًا تحت حكم بطرس الأكبر وكاثرين العظمى، حيث توسعت الإمبراطورية لتشمل أراضي شاسعة في أوروبا وآسيا. أصبحت سانت بطرسبرغ عاصمة الإمبراطورية ومركزًا للثقافة والفنون.
5.التاريخ السوفيتي
الاتحاد السوفيتي (1922-1991) كان كياناً سياسياً واقتصادياً ضخماً شكَّل إحدى القوى العظمى في القرن العشرين.
تأسس بعد الثورة البلشفية عام 1917 والحرب الأهلية الروسية التي تلتها وتم الإعلان عنه رسمياً في ديسمبر 1922 كاتحاد من جمهوريات اشتراكية سوفيتية تحت قيادة الحزب الشيوعي.
رغم قوته العسكرية والتقنية، واجه الاتحاد السوفيتي تحديات اقتصادية وسياسية داخلية، تفاقمت بفعل سباق التسلح مع الغرب.
أدت الإصلاحات التي قدمها ميخائيل غورباتشوف، مثل البيريسترويكا والغلاسنوست، إلى تراجع سيطرة الحزب الشيوعي وانفصال الجمهوريات تدريجياً حتى انهياره عام 1991.
التاريخ السوفيتي يبرز كفصل مليء بالطموح السياسي والتناقضات، بين رغبة في تحقيق مجتمع اشتراكي مثالي وصراعات داخلية وخارجية قادت لنهايته.
العادات والتقاليد الروسية بين الماضي والحاضر
1. تقاليد الحياة اليومية
الضيافة الروسية
يُعرف الروس بكرم الضيافة، حيث يُقدمون الخبز والملح كرمز للترحيب.
الساموفار، إبريق الشاي التقليدي، يُعتبر جزءًا أساسيًا من طقوس استقبال الضيوف، حيث يُقدم الشاي مع الحلوى مثل "بليتسكي" (فطائر محشوة) و"بيروجي" (فطائر اللحم أو الخضروات).
الطعام الروسي التقليدي
البورش : حساء الشمندر الشهير مع القشدة الحامضة.
السوليانكا : حساء غني يحتوي على اللحوم والخضروات.
البليني: فطائر رقيقة تُقدم مع العسل أو القشدة.
2. الاحتفالات والأعياد
ماسلينيتسا :
يُعرف بمهرجان "أسبوع الفطائر" حيث يُحتفل بنهاية الشتاء وبداية الربيع. يُعتبر تناول الفطائر وممارسة الألعاب الشعبية جزءًا لا يتجزأ من هذه المناسبة.
عيد الميلاد الأرثوذكسي (7 يناير)
يُحتفل به وفقًا للتقويم اليولياني. تشمل الطقوس الدينية والصلاة، إلى جانب إعداد وجبات مثل "كوتيا" وهي حلوى مصنوعة من الحبوب والعسل.
عيد النصر (9 مايو)
مناسبة وطنية هامة لإحياء ذكرى الانتصار في الحرب العالمية الثانية. يتم الاحتفال بعروض عسكرية ووضع أكاليل الزهور على النصب التذكارية.
3. الفنون والحرف اليدوية
الماتريوشكا
الدمى الخشبية المرسومة بألوان زاهية ترمز للوحدة العائلية والاستمرارية.
الزخرفة الروسية
تشمل الفخار والنسيج المزخرف بزخارف مستوحاة من الطبيعة والأساطير.
المدن الروسية
حيث يلتقي التاريخ بالحداثة
1. موسكو : القلب النابض
عاصمة روسيا وأكبر مدنها، تُعد موسكو مزيجًا من التاريخ العريق والحداثة.
من أشهر معالمها
الكرملين : مركز الحكم الروسي وقلب موسكو السياسي.
الساحة الحمراء : المكان الذي شهد أحداثًا تاريخية كبرى، وتضم كاتدرائية القديس باسيل ذات القباب الملونة.
2. سانت بطرسبرغ : نافذة روسيا على الغرب.
تأسست على يد القيصر بطرس الأكبر في القرن الثامن عشر لتكون عاصمة روسيا القيصرية. تُلقب بـ"فينيسيا الشمال"
بفضل قنواتها المائية ومن أبرز معالمها:
قصر الشتاء : مقر إقامة القياصرة ومتحف الإرميتاج حاليًا.
شارع نيفسكي: الشارع الأشهر في المدينة، يزخر بالمقاهي والمحال الفاخرة.
3. نوفغورود : مهد الحضارة الروسية
مدينة تاريخية تعود إلى القرن التاسع كانت مركزًا ثقافيًا ودينيًا في العصور الوسطى. تشتهر بكرملين نوفغورود وكاتدرائية القديسة صوفيا.
4. فلاديمير وسوزدال
روح روسيا القديمة
هاتان المدينتان جزء من "الحلقة الذهبية"
التي تضم مدنًا تاريخية روسية.
تعكس الكنائس والقصور في فلاديمير وسوزدال الفن المعماري الأرثوذكسي.
5. سيبيريا
أرض الطبيعة البكر
تشمل مناطق مثل بحيرة بايكال، أعمق وأقدم بحيرة في العالم، وتشتهر بسيبيريا بتقاليد الصيد والحياة البسيطة.
ميرنا المصرية الروسية مرشدة بين عالمين
أنا ميرنا، مرشدة سياحية مصرية روسية وأعتبر نفسي جسرًا يربط بين ثقافتين عظيمتين.
نشأت بين قلب مصر وروح روسيا، وقد منحني ذلك القدرة على فهم العميق لكلا الثقافتين وجمالهما الفريد.
لا أعتبر نفسي مجرد مرشدة سياحية، بل أنا أرشد الزوار في رحلة عبر الزمن، حيث أسرد حكايات عن عظمة القياصرة وأساطير الشعب الروسي وأُعرِّفهم على سحر مصر وأصالتها، من أساطير الفراعنة إلى روح المصريين المعاصرة.
مصر، أرض الحضارات وروح التاريخ، هي قلب العالم. هنا، تقف الأهرامات شامخة كشاهد على عبقرية المصري القديم وتحكي المعابد حكايات عن آلهة وملوك تركوا بصمتهم في سجل الزمن. لكن ما يجعل مصر مميزة حقًا هو شعبها هؤلاء الذين يرحبون بك بابتسامة صادقة وكرم لا ينتهي. من شوارع القاهرة النابضة بالحياة إلى القرى الهادئة على ضفاف النيل المصريون يعيشون التاريخ كل يوم بجذورهم الممتدة في أعماق الزمن وروحهم التي تحتفي بالحاضر.
تمامًا كما تنبض روسيا بحكاياتها وأساطيرها، مصر أيضًا هي موطن الحكايات التي تنبض بالحياة.
بين ثقافتيّ مصر وروسيا، أرى خيطًا مشتركًا :
حب الحياة، الاحترام العميق للتقاليد والسعي نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
مهمتي هي أن أُري الناس هذا التشابه
أن أكون جسرًا بين حضارتين عظيمتين حيث يُكمل سحر الشرق دفء الشمال
روسيا كما تحكيها ميرنا
أنا ميرنا، أجيد الجمع بين الحكايات الروسية التي تنبض بالتاريخ والأساطير، وبين طريقتي الخاصة في تقريب الثقافة الروسية للجميع. فاستكشاف روسيا معي ليس مجرد جولة سياحية عابرة؛ بل هو تجربة غنية تأخذك عبر الأزمنة، حيث تتنفس عظمة الماضي وتعيش جمال الحاضر في آن واحد.
كل زاوية في روسيا تحمل قصة، سواء كنت في موسكو المزدحمة أو تتجول في قرى سيبيريا البسيطة، ستجد نفسك مندمجًا في تفاصيل الحياة اليومية التي تعكس روح الشعب الروسي.
في كل مكان في روسيا، تجد الحياة تنبض بتفاصيل تروي قصة شعب عظيم، وعندما أروي تلك القصص، لا أكتفي فقط بالمعلومات التاريخية، بل أنقل المشاعر والتجارب التي عاشها الروس. أريهم كيف أن التقاليد القديمة لا تزال حيّة في كل زاوية، وكيف أن الشعب الروسي يعيش تاريخه في كل لحظة.