سماء بيت لحم تتزين بنور المعجزة
سماء بيت لحم تتزين بنور المعجزة
بقلم : الكاتبة منال خليل
" سماء بيت لحم تتزين بنور المعجزة "
- كانت السماء في تلك الليلة صافية وكأنها تنتظر حدثا استثنائيا النجوم تلمع بشدة ببيت وسط التلال الهادئة، كانت السيدة مريم عليها السلام تخوض رحلة ليست كأي رحلة، رحلة الألم، الصبر، الإيمان والمعجزة.
- نشأت مريم في بيت المقدس، عرفت بالنقاء والطهارة، لا تعرف من الدنيا سوى محرابها، حيث كانت تعبد الله ليلا ونهارا وكان نبي الله زكريا عليه السلام يكفلها رآها يوما وقد أتاها رزقٌ وفير، فسألها متعجبا:
"يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ"
(سورة آل عمران: 37).
لكن هذه الحياة الهادئة في محرابها تغيّرت حينما ظهر لها جبريل عليه السلام، فنظرت إليه بخوف قائلة:
"إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا"
(سورة مريم: 18)
قال لها جبريل:
"إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا"
(سورة مريم: 19)
- تساءلت مريم بدهشة، كيف يمكن أن يحدث ذلك؟
"أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا"
(سورة مريم: 20)
- قال لها جبريل مطمئنًا:
"كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا"
(سورة مريم: 21)
- حملت مريم، وبدأت معجزة الله تظهر
شعرت بالقلق والخوف مما سيقوله قومها فقررت أن تبتعد، فأخذتها خطواتها إلى مكان بعيد عن العيون، إلى ضواحي بيت لحم .
يقول الله:
"فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا"
(سورة مريم: 22)
- في صمت الليل، وبينما كانت مريم وحيدة، جاءها ألم المخاض ، فلجأت إلى جذع نخلة عجوز، تستند عليه بينما تشتد الآلام ، شعرت بالوهن والخوف، فتمنت لو أن الحياة لم تأتِ بها إلى هذه اللحظة. قالت:
"يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا"
(سورة مريم: 23)
-الرحمة الإلهية تتجلى
وسط آلامها وضعفها، جاءها صوت مطمئن كان ذلك الصوت إما جبريل عليه السلام أو صوت السيد المسيح وهو في بطنها، يقول لها:
"أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا"
(سورة مريم: 24)
ثم أمرها الصوت:
"وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا. فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا"
(سورة مريم: 25-26)
فأطاعت مريم مدّت يدها وهزّت الجذع فتساقط عليها الرطب الطري، وأوجد الله لها جدول ماء جاري لتشرب منه أكلت وشربت، وبدأت تشعر بالسكينة والطمأنينة.
- في لحظة مليئة بالجلال والرهبة، وضعت مريم مولودها المبارك كان السيد المسيح عليه السلام، طفلًا وجهه يشع بالنور، كأنه يحمل رسالة سلام إلى العالم حملته مريم بين ذراعيها، ونظرت إليه بعينين دامعتين لقد كانت تعلم أن هذا الطفل هو معجزة الله، وأن قصتها قد بدأت للتو.
- عادت مريم إلى قومها تحمل طفلها بين ذراعيها وعندما رأوها، صُدموا وبدأوا باتهامها قالوا:
"يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا"
(سورة مريم: 27)
لكن مريم لم تجبهم، بل أشارت إلى طفلها ظنوا أنها تستهزئ بهم، لكن السيد المسيح عليه السلام نطق في مهده، وقال:
"قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا"
(سورة مريم: 30-31)
كانت كلماته معجزه وإعلان عن براءة أمه ودليلا على نبوته.
- قصة ميلاد السيد المسيح عليه السلام تحمل بين طياتها معاني عظيمة:
الثقة بالله ، لم تفقد مريم إيمانها برحمة الله رغم وحدتها
المعجزات في أصعب اللحظات: من الماء الجاري، إلى الرطب الطري، إلى كلام المسيح في المهد، كلها دلائل على قدرة الله.
السلام والمحبة: كان ميلاد المسيح رسالة حب وسلام إلى البشرية.
" معجزات السيد المسيح عليه السلام "
كبر السيد المسيح ليصبح رسولا مبعوثا إلى بني إسرائيل، وأيده الله بمعجزات عظيمة لإظهار قدرته ودعم رسالته
ومن أبرز معجزاته:
1. خلق الطير من الطين
كان يأخذ طين ويشكله على هيئة طير، ثم ينفخ فيه فيصبح طير بإذن الله يقول الله:
"أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ"
(سورة آل عمران: 49)
2. شفاء المرضى
كان يبرئ الأكمه (فاقد البصر منذ الولادة) والأبرص بإذن الله.
3. إحياء الموتى
دعا الله فأحيا الموتى بإذنه، وكان هذا دليل قوي على صدق نبوته.
4. الإخبار بما يُخفى
كان يخبر الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم بإذن الله.
قال الله:
"وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ"
(سورة آل عمران: 49)
5. نزول المائدة من السماء
عندما طلب الحواريون منه مائدة طعام من السماء، دعا الله فأنزلها عليهم.
قال تعالى:
"اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا"
(سورة المائدة: 114)
"رفعه إلى السماء"
عندما حاول بني إسرائيل قتله، نجاه الله ورفعه إلى السماء.
قال الله:
"وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ"
(سورة النساء: 157).
معجزات سيدنا عيسى عليه السلام كانت دليل على قدرة الله وعظمته.
في هذه الأيام المباركة، نستعيد ذكرى ميلاد النور والمحبة، ميلاد السيد المسيح عليه السلام، الذي حمل رسالة السلام والرحمة للبشرية، ونتأمل في عظمة السيدة مريم عليها السلام التي اصطفاها الله بمعجزة عظيمة.
يقول الله تعالى:
"وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ"
" ميلاد السيد المسيح كان رسالة سلام للعالم أجمع "
- نتقدم إلى إخوتنا المسيحيين بأصدق التهاني، سائلين الله أن تكون أيامهم مليئة بالمحبة والسلام.
"كل عام وأنتم بخير، ونسأل الله أن يملأ قلوبنا جميعًا بالنور والسكينة، كما أنار ميلاد السيد المسيح سماء بيت لحم في تلك الليلة المباركة"
المصادر:
1. القرآن الكريم:
سورة آل عمران (45-49)
سورة مريم (16-36)
سورة النساء (157)
سورة المائدة (114)
2. كتب التفسير:
تفسير ابن كثير ، تفسير الطبري.