أبوالهول اليمني في مزاد العار : حين يُباع التاريخ في يافا المحتلة
كتبت - د. ميرنا القاضي
في مشهد يُثير الأسى والغضب، تُعرض يوم الأربعاء القادم، الموافق 16/4/2025
قطعة أثرية يمنية نادرة في مزاد علني بمدينة يافا الفلسطينية المحتلة. التمثال البرونزي، الذي يُجسّد هيئة "أبوالهول" يأتي ضمن مقتنيات مجموعة
"شلومو موساييف" أحد أشهر جامعي الآثار في العالم، والذي ارتبط اسمه طويلاً بأسواق التهريب ومزادات الذاكرة المسروقة.
تمثال بحجم وطن
الصورة تُظهر تمثالًا صغيرًا من البرونز يجسّد كائنًا أسطوريًا مجنّحًا بجسم أسد ورأس إنسان. ملامحه تحمل طيفًا من تماثيل أبو الهول المصرية، لكنها تتكشّف
لمن يُمعن النظر – عن روح يمنية خالصة
تعود إلى حضارات ما قبل الإسلام.
التكوين النحتي الخشن والخطوط البسيطة والتعبيرية، كلها خصائص تميز فنون جنوب الجزيرة العربية في الألف الأول قبل الميلاد، من معابد أوام إلى نقوش جبل العود.
التمثال، الذي يُعتقد أنه من الفترة القتبانية أو السبئية، كان يُستخدم غالبًا كرمز للحماية الإلهية، يُوضع عند المداخل أو على جنبات المقابر والمعابد. أمثاله عُثر عليها في مواقع أثرية مثل تمنع وشبوة ومأرب حيث كان الفن يحمل وظيفة طقسية بقدر ما كان تعبيرًا عن الهوية والروح.
شلومو موساييف : جامع أم سارق؟
ينتمي هذا التمثال إلى مجموعة شلومو موساييف (1925–2015)، رجل الأعمال اليهودي المولود في القدس، والذي جمع خلال حياته أكثر من 60 ألف قطعة من آثار الشرق الأدنى القديم. كثير من تلك القطع خرجت من بلدانها الأصلية بطرق غير قانونية، خاصة من مناطق الصراع كالعراق وسوريا واليمن. وتشير تقديرات خبراء إلى امتلاكه مئات القطع اليمنية التي غادرت البلاد خلال فترات الفوضى والنهب، دون وثائق أو إشراف قانوني.
من أسواق الدم إلى مزادات العار: تراث يُباع على أرصفة الاحتلال
يُعقد المزاد في مدينة يافا، عروس فلسطين، التي تحوّلت بعد النكبة إلى موقع سياحي إسرائيلي فوق أنقاض الذاكرة العربية. عرض التمثال اليمني في هذا المكان لا يخلو من رمزية سياسية فاضحة: فهنا لا تُباع فقط قطعة أثرية، بل يُرسَّخ منطق الاحتلال الثقافي، حيث تُسرق الهوية كما سُرقت الأرض، ويُباع التاريخ في صالة مُكيّفة لمن يدفع أكثر.
إهمال دولي وذاكرة تُباع
رغم صدور قرار أمريكي حتى عام 2024 يمنع استيراد الآثار اليمنية دون أوراق قانونية، أعلنت دار المزادات أن محاولة بيع القطعة سابقًا فشلت بسبب عدم اكتمال الوثائق.
هذا يفتح نافذة قانونية أمام اليمن للمطالبة باستعادتها. لكن غياب الإرادة الدولية، وصمت المنظمات المعنية، وضعف الإمكانيات اليمنية وسط حرب مستمرة كلها عوامل تُفاقم المأساة وتُهدد بطمس مزيد من الموروث.
صرخة من برونز
في قلب يافا المحتلة، وبين أصابع تاجر آثار، يقف تمثال أبوالهول اليمني كصرخة لا تُسمع، وكشاهد على خيانة التاريخ. تمثال صغير بحجم وطن، لا نملك أمامه إلا أن نوثّق، ونُدين، ونطالب، علّ الصدى يصل.
فهذا ليس مجرد تمثال
إنه حجر أساس في معبد الذاكرة اليمنية
فإما أن يُعاد، أو نُسلِّم بأن الذاكرة تُباع كالمجوهرات.