مَشْهَد العِقاَب
مَشْهَد العِقاَب
بقلم : الكاتبة منال خليل
- كان الوقت قد تأخر، والليل ثقيل، يحمل صمته كحكمة خفيه لم يعد أحد يجرؤ على قراءتها.
جلس "راجح" وحده مع فنجان قهوة شارف على الإنتهاء بارد كقلبه وذكرياته.
لا يرافقه سوى فكرةٍ واحدة :
كيف للذاكرة أن تُعيدنا إلى الجُرح ذاته كل ليله، حتى بعدما حاولنا تضميده وابتعدنا عنه؟
تأمّل في داخله وقال كمن يُحدّث ذاته بصوت خافت: اِقْطَعِ الرَّابِطَ.
- اِقْطَعِ الرَّابِطَ بينك وبين تلك الفكرة التي
كلّما مرّت بعقلك، أوجعتك كأنها حدثت قبل دقائق.
بينك وبين تلك الذكرى التي تُغرس في صدرك كلما استحضرتها ، رغم مرور الزمن.
دع الأمر يرحل " Let it go "
ليست عبارة ساذجة كما يظنّ البعض، بل قرار عميق، يُشبه فتح نافذة في غرفة مغلقة منذ سنين.
أن تُفرغ عقلك من الوجع، لا لأنك نسيت
بل لأنك اخترت ألّا تبقى أسيرًا لوجعٍ يسكنك، بينما من سبّبه يعيش حياته دون اهتمام.
- في لحظةٍ ما، تدرك الحقيقة الصادمة:
أن التفكير المتكرّر في الجرح لا يُشفِيه، بل يُنعشه ويحييه.
أن تحليل كل كلمة، واسترجاع كلّ لحظة، لا يُغيّر النهاية، بل يُعيدك إلى ذات الحفرة.
وكأنك عالق في غرفة بلا نوافذ ،هواؤها فاسد، وذكرياتها متكرّرة كعقاب دائم
- المشكلة أن مَن آذَوك لم يعودوا هنا
لكنهم يعيشون داخلك، لأنك تفتح لهم الباب كلّ صباح، وتُنعش حضورهم في رأسك.
هم لا يعانون
أنت من يُستنزف كل يوم
أنتَ من يُعيد نفس السؤال في رأسه
لماذا؟
كل استرجاع هو خنجر
وكلّ تحليل هو نزيف جديدٌ في ذات الجرح القديم.
- أن تترك لا يعني أنك ضعيف
بل أنك أصبحت أكثر وعيًا
أن تفصل الجُرح عن عقلك لا ينفي الألم
بل يؤكّد أنك أدركت الحقيقة:
أن السلام لا يأتي من الانتقام ، بل من التحرر.
- توقّف عن إعادة توزيع الذنب، عن البحث عن عدالةٍ متأخّرة.
فالحياة لا تُنصف دائمًا
لكن الكارما تفعل.
نعم " الكارما " لا تُخطئ
قد تتأخّر، وقد تأتي متخفّية، لكنها تأتي
فلكلّ فعل صدى، ولكلّ وجعٍ عودة، ولكلّ "خيانة طريق خلفيّ يُعيدها إلى صاحبها " بشكل ما
- لا تنتظر " مشهد العقاب "
ولا تُرهق قلبك بمراقبة مصائرهم
فالكون لا يعمل وفق رغباتنا
لكنه لا ينسى.
الكارما لا تطرق الأبواب
بل تتدخل حين يحين الوقت
تُعيد الحقوق بطريقتها
وتُلقّن الدروس حين تكون أنت قد نسيت أصل الحكاية.
- فقط ، اِقْطَعِ الرَّابِطَ.
حرّر قلبك من الترقّب، وذهنك من الدوران
عِش لنفسك، لا لثأرك.
كُن بخير، لا لأنهم استحقّوا نسيانك
بل لأنك تستحقّ حياة بلا سموم.
- اِقْطَعِ الرَّابِط
ليس لأنك أقوى
بل لأنك أذكى من أن تعيش في حريقٍ انتهى.
وتترك نفسك تحترق كلّ يوم من رمادٍ لم يَعُد يُضيء شيئ.
- وفي لحظةِ الوَعي
لا تَعودُ بحاجة للثأر
فالعالَمُ يَدور
ومَن زَرَع الألم، سَيَجنيه حتماً
أمّا أنت
" لا تنتظِرْ مَشْهَدَ العِقاب، فالحياة لا تُقدِّمُهُ على مسرحِ رؤاك، لكنَّ الكارما تُخرِجُه في صَمتٍ مُهذَّب"
فاخترْ أن تَزهر، لا أن تنتقِم.
- قام "راجح" من مقعده حاملاً فنجان القهوة ليعيده إلى حوض المطبخ
فتح الماء غسل الفنجان ونفسه .
ثم أبتسم ابتسامه هدوء وإكتفاء وعاد ليفتح النافذه ليتنسم نسائم الفجر .